مكة كولا.. مشروب موال لفلسطين تحدى أميركا وحظرته الإمارات
في العقد الأول من القرن 21، هاجم رجل أعمال فرنسي من أصل تونسي أميركا بفقاعات من غرفة ضيقة بحي فقير في مدينة باريس، وذلك حين أطلق شركة لبيع مشروب “مكة كولا” الحلال والمؤيد للفلسطينيين، والذي لقي نجاحا عالميا مذهلا.
هذا ما بدأت به الكاتبة في موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي رشيدة العزوزي تقريرا مطولا عن مشروب غازي، قالت إنه هزّ كيان عملاقتي الصودا الأميركيتين شركتي كوكا كولا وبيبسي كولا، رغم ما وصم به هذا المشروب من كونه “إسلاميا” و”عرقيا” و”طائفيا”.
لكن توفيق مثلوثي منتِج “مكة كولا” يرد على تلك التهم، قائلا في مقابلة معه عبر الهاتف: “نحن كولا سياسية بديلة، تندد بالجرائم الأميركية والحروب في العراق وأفغانستان، حيث الضحايا هم من المسلمين حصرا، وكذلك ضد الاستعمار الإسرائيلي”.
ويكرر رجل الأعمال البالغ من العمر 64 عاما، والذي يعرف بتأييده المطلق للقضية الفلسطينية، أنه أبعد ما يكون عن معاداة اليهود أو معاداة السامية، لكنه معاد شرس للصهيونية.
ويشدد على أن اسم مشروبه لا علاقة له بمكة المكرمة في السعودية، وإنما “هو مأخوذ من اسم قبيلة مكة المسلمة التي كانت جزءا من الأميركيين الأصليين، والتي أبادها البيض المسيحيون عن بكرة أبيها خلال تأسيسهم للولايات المتحدة الأميركية، الدولة الإرهابية منذ نشأتها”، على حد تعبيره.
ويتخذ مثلوثي حاليا من العاصمة الماليزية كوالالمبور، مقرا لشركته التي كانت بدايتها في مقر لا تتجاوز مساحته 18 مترا مربعا في حي سانت دنيس الفقير بباريس، وكان ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 ووافق اليوم الأول من رمضان في ذلك العام.
ولم تكن مغامرة مشروب “مكة كولا” هي أول أعمال مثلوثي التي أثارت جدلا، فقد أنشأ إذاعة الشرق الوسط “راديو ميديتراني” قبل ذلك بـ10 سنوات، لتكون صوت المظلومين من المغرب والمشرق العربيين وسكان الضواحي بفرنسا أو حتى بؤساء حرب البوسنة.
وقد قدم مثلوثي إلى فرنسا وعمره 20 عاما ليواصل دراسته في القانون، ولم يكن معه سوى ما قيمته 30 يورو، وقد خلف وراءه والده الذي كان إمام مسجد، وأمه و8 إخوة وأخوات هو المسؤول عنهم بوصفه الابن الأكبر في العائلة.
ممثل زمزم كولا
في البداية، لم يكن مثلوثي يريد ابتكار مشروب كولا خاص به، بل كان فقط يريد أن يصبح ممثلا للمشروب الإيراني “المناهض للإمبريالية” والذي يعتبر رائد المشروبات الغازية الإسلامية “زمزم كولا”، وذلك في إطار الحملة التي كان يشنها مع نشطاء آخرين على إسرائيل بسبب الطريقة التي تصدت بها لانتفاضة الفلسطينيين.
ذاك المشروب الذي أنشئ عام 1954 في إيران من قبل الشاه الأخير محمد رضا بهلوي، والذي أطلق عليه اسم زمزم كولا تيمنا بالماء المبارك الذي يخرج من عين على بعد 20 مترا من الكعبة، وظل هذا المشروب شريكا لشركة بيبسي كولا (PepsiCo) حتى الثورة الإسلامية عام 1979.
ويعبّر مثلوثي لاحقا عن امتنانه للإيرانيين، لأنهم لم يردوا على طلبه تمثيل مشروبهم في فرنسا، حيث دفعه ذلك للتفكير في إنشاء مشروبه الغازي الخاص، خصوصا أنه يرى أن الحكم لديهم استبدادي، وهو ما يقول إنه يود أن لا يكون بينه وبين أهله أي نوع من التعاون.
نجاح مكة كولا
ويسرد مثلوثي قصته مع مكة كولا، فيقول إنه جمع من محيطه 20 ألف أورو وخصصها كليا لبناء مشروعه، دون أن يصرف شيئا على الإعلانات، وأطلق مشروبه مع شعارات من قبيل: “كن مختلفا”، و”لا تشرب بغباء”، و”اشرب وأنت صاحب قضية”، ووضع اسم مشروبه بالأبيض على قنينة تشبه قنينة كوكا كولا. ولم تمر سنة حتى بيع منه في سان دانيس أكثر من مليون ليتر، لينتشر بعد ذلك في وقت وجيز في جميع أنحاء العالم، وحتى في المدن العربية داخل إسرائيل، وتبلغ مبيعاته مليارات الليترات.
وما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2002 ويناير/كانون الثاني 2004، حقق مكة كولا مبيعات وصلت 3 ملايين و577 و713 يورو، كما اختاره رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي (OIC) -وهي ثاني أكبر منظمة بعد الأمم المتحدة وتضم 57 دولة عضوا- لجعله الشريك الرسمي لها في مناسباتها.
ويقول مثلوثي إن مكة كولا ظلت لمدة 3 سنوات العلامة التجارية الثالثة في العالم بعد كوكا كولا وبيبسي، وتبوأت المركز الثاني خلال عامها الأول في فرنسا بعد كوكا كولا متقدمة على بيبسي.
لكنه تعرض لحملة تشويه واسعة النطاق في وسائل الإعلام بفرنسا، فربطوا مشروبه بــ”مجانين الله”، ووسموه بأنه “فظيع”، لحد أن مجلة لوبوان وضعت هذا العنوان “كولا الله يصل فرنسا”، رغم أن صودا مكة كولا لا تقول عندما تفتحها “الله أكبر ولا تؤدي الصلوات الخمس”، على حد تعبيره.
ويلفت إلى أن كوكا كولا التي أسسها يهودي لم تتعرض لهذه الحملة، ولم يقل أحد إنها “مشروب يهودي”.
ويضيف رجل الأعمال أنه كان يتبرع بما يصل إلى 80% من أرباحه على منظمات فلسطينية رسمية، لم تكن من بينها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
مكة كولا الإلهام
لكنه يؤكد أن مكة كولا توجهت اليوم إلى الروهينغيا الذين تعرضوا للإبادة الجماعية على يد البوذيين في بورما، وهي تقدم لهم الكثير من الخدمات المختلفة التي يحتاجونها بشكل ملحّ.
ويقول الموقع إن مكة كولا مثلت إلهاما لرجال أعمال مسلمين آخرين في الغرب، فأنشئت “قبلة كولا” في بريطانيا و”مسلم آب” في فرنسا و”الأقصى كولا” في الدانمارك و”سلام كولا” في كاليفورنيا بأميركا، وكلها منتجات اختفت اليوم لأسباب اقتصادية أو بسبب التسييس والاستقطاب المفرط الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى إبعاد المستهلكين.
لكن مكة كولا ما زالت تقاوم رغم أنها اختفت تقريبا من أوروبا، إلا بكميات قليلة في إيطاليا وبلجيكا وإسبانيا، وذلك بسبب “الحرب التي تشنها علينا المنظمات الصهيونية”، على حد تعبيره.
ولم تعد مكة كولا تباع سوى في 65 بلدا أغلبها في آسيا، وفي البرازيل، لكن مثلوثي يرفض اليوم الكشف عن دخل شركته، إذ يعتبر أن كشفه لذلك في السابق هو الذي فتح عليه نار الحاقدين.
وقد شهدت مكة كولا العديد من الانتكاسات في الغرب وكذلك في العالم العربي. ففي عام 2012، حظرت المحكمة الاتحادية العليا لدولة الإمارات العربية المتحدة تسجيل هذه العلامة التجارية، لأنها “مرتبطة أكثر من اللازم مع الدين”، لكنها تستعد لإطلاق منتج جديد لها اسمه “كيو كولا” (Q-Cola)، وذلك لصالح شركة الخطوط الجوية القطرية.